الباب المفتوح - التوبة
--------------------------------------------------------------------------------
ذنوبنا كثيرة وسيئاتنا عديدة، نذنب في الصباح والمساء في الليل والنهار، لقد تتابعت الذنوب وتوالت السيئات وأصبحنا كلنا في عداد المقصرين، فما المخرج من هذه الذنوب التي تراكمت والسيئات التي تتابعت؟ إن المخرج هي التوبة منها، فمن رحمته جل وعلا أن فتح باب التوبة للتائبين، هذا الباب الذي فتح لكل من أراد أن يلج أو أن يدخل منه كائناً من كان.
إن التوبة عبادة عظيمة يحبها ربنا حتى وإن تكررت من المسلم مرات ومرات.
إن ربنا عندما عدد الذنوب العظام، في آخر سورة الفرقان، وهي الشرك وقتل النفس والزنا قال بعد ذلك : {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (70) سورة الفرقان.
ولما ذكر أعظم الذنوب بعد الشرك به وهو النفاق الاعتقادي قال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وأصلَحوُا واعتَصَمُوا بالله وأخلصُواْ دينهُم لله فَأُوْلئك مع المؤمنينَ وَسَوف يُؤت الله المُؤمنين أجراً عَظيماً} (146) سورة النساء.
وقال جل وعلا: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلا مَن تَابَ وَءََامَنَ وعَملَ صَالحاًَ فَأُولئك يدخُلُون الجَنَةَ ولاَيُظلَوُنَ شَيئاً} (60) سورة مريم.
ولما ذكر قطاع الطرق والمفسدين في الأرض وأهل الإرهاب قال:
{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ من قبل أن اتقدرُواْ عليهم فَاعلمُواْ أنَ الله غفورٌ رحيمٌ} (34) سورة المائدة.
فلله الحمد والمنة أنه كان تواباً رحيماً.
إنها رحمة أرحم الراحمين، فأقبل يا أخي أقبل على الله، وتب إليه فإنه يقبل التوبة، وإياك إياك أن تقول: ذنوبي كثيرة، وسيئاتي عديدة، حتى وإن فعلت وفعلت، ولو كررت الذنب عشرات المرات؛ بل مئات المرات فتب توبة نصوحاً، إن الله يقبل التوبة.
وأحذِّر نفسي وإخواني وأخواتي القراء من أمرين اثنين:
الأمر الأول: تأجيل وتأخير التوبة، وكل منا - ولله الحمد والمنة - يرغب أن يتوب، ولكن مشكلتنا ومعضلتنا تأجيل وتأخير التوبة، فيقول بعض المسلمين: سأتوب إذا جاء رمضان، فإذا جاء رمضان قال: سأتوب إذا انسلخ رمضان، فإذا انسلخ رمضان قال: سأتوب إذا حججت البيت، وإذا فرغ من الحج قال: سأتوب إذا رجعت إلى بلدي ومسقط رأسي، وإذا رجع إلى بلده قال: سأتوب إذا تزوجت - إن لم يكن متزوجاً... وهكذا.
فإياك إياك من تأخير التوبة، فإني وإياك لا نعلم متى الرحيل من هذه الحياة الدنيا، قد يكون يومك هذا آخر الأيام، فإن الموت تركنا وأخذ غيرنا، وسيترك غيرنا لنا، {أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34 ) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت} (35) سورة الأنبياء.
والمشكلة الكبرى أننا لا ندري متى سنموت.
والأمر الثاني الذي أحذِّر نفسي وأخي وأختي والقراء منه هو: اليأس والقنوط، فإن بعض المسلمين والمسلمات - هداهم الله - عنده يأس وقنوط فيقول: إن تبت مثلاً من الزنا فإني سأعود، فلماذا أتوب؟ أو إذا تبت من ترك الصلاة فإني سأعود، فلماذا أتوب؟ فنقول: تب وتب ثم إذا عدت فتب، ثم إذا عدت فتب، ثم تب، ثم تب إرغاماً للشيطان، لأنك تحرق الشيطان.
يا أخي وأختي! اعلما أن باب التوبة مفتوح على مصراعيه، وهذا الباب مفتوح لكل مخلوق سواء كان مسلماً أو كافراً، شقياً في هذه الحياة أوسعيداً، لأن هذا الدين للعالم كله، للبشرية كلها، هذا الباب مفتوح على مصراعيه مهما كانت ذنوبكما، ومهما كانت سيئاتكما، إلا أن هذا الباب سيقفل إذا حصل أحد أمرين اثنين: إذا طلعت الشمس من مغربها، عند ذاك {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (158) سورة الأنعام.
أو إذا بلغت الروح الحلقوم، {الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (91) سورة يونس. إن فرعون اللعين عدو أنبياء الله ورسله وعدو موسى وبني إسرائيل كان يعرف الحق والطريق المستقيم، فلما أدركه الغرق قال كلمة التوحيد الخالصة، لأنه عالم ويعرف الحق والحقيقة، فلما أدركه الغرق قال: {آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (90) سورة يونس.
ماذا قال الله؟ قال: {الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (92) سورة يونس.
فرعون لم تنفعه كلمة التوحيد التي تلفظ بها في آخر حياته، فإن باب التوبة مفتوح إلا إذا حصل أحد الأمرين كما تقدم.
واعلموا أن التوبة لا تكون توبة صحيحة مقبولة إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: الإقلاع عن الذنب.
الشرط الثاني: الندم على ما مضى.
الشرط الثالث: العزيمة على عدم العودة. ونضرب مثالاً، شخص مبتلى بالزنا أو بأكل أموال الناس بالباطل، فإنه يجب عليه أن يقلع فوراً عن هذا الذنب، ثم ليعزم لو قدر على الزنا أن لا يفعله، إذاً يقلع عن الذنب ويعزم على عدم العودة ويندم على الأفعال التي كان يفعلها، إقلاع وندم وعزيمة على عدم العودة، أما من كان يفعل الذنوب ثم يتوب وفي نيته أن يعود فإن توبته كاذبة أو يتوب وهو يتلذذ بالذنوب التي فعلها ويذكرها ويجاهر بها فهذا توبته كاذبة، أو الذي يفعل الجريمة ويقول: أنا تائب، هذا توبته كاذبة.
ويزيد شرطاً رابعاً إذا كان الأمر يتعلق بالآدميين، فإن حقوق الناس مبنية على المشاحة إذا كان الأمر يتعلق بالآدميين أخذت مالاً ولو ريالاً قال عليه الصلاة والسلام : (ولو كان قضيباً من أراك). أخذت مالاً من مؤسسة أو شركة أو بقالة أو من أموال الناس، فإنه يجب أن تعيد المظالم إلى أهلها قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، فلا بد أن تعيد المظالم إلى أهلها، ومن وقعت في أعراضهم يجب أن تذهب إليهم وتستحلهم. فإن قال قائل : أخذت مالاً قبل سنوات ونسيت صاحبه ولا أعرف مكانه فنقول: يجب أن تتصدق بهذا المال عن ذلك المظلوم، ومن وقع في أعراض الناس ويخشى إن ذهب إليهم وقال لهم: إنني وقعت في أعراضكم فيزيد الأمر سوءاً وتتفاقم المشكلة، فإنه يجب عليه أن يذكرهم في المجالس التي كان يذكرهم بالسوء أن يذكرهم بالخير، وأن يتوب إلى الله {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور.
أسأل الله أن يتوب علي وعليك وعليكِ إنه هو التواب الرحيم.